الإنسان في الإسلام مكرّم بأصل فطرته؛ فلمجرد أنه إنسان استخلفه اللّه في مهمة عمارة الأرض، فقد أصبحت له مكانة خاصة، إنه خليفة الله في الأرض، فلا تجوز إهانته ولا ظلمه، بأخذه بذنب غيره، ولا إنزال عقوبة جماعية أو عشوائية
عليه، بل يجب أن تصان إنسانيته وكرامته وحياته الفردية والعائلية
كل نوع من أنواع وأد الحياة بصورة إجمالية يقف الإسلام ضده، ومبدئيا يحرّم الإسلام الأسلحة النووية والذرية لطبيعتها ذات الإبادة الجماعية..
وقد اخترعت هذه الأسلحة بتأثير الامتداد التوراتي الذي يرى أن غير اليهود لا يستحقون الحياة، فلا مانع من استعمال أسلحة إبادة جماعية معه، وقد دفع اليابانيون في هيروشيما ونكازاكي الفاتورة الأولى للتطبيق التوراتي وهم لا يعلمون، ثم دفعت العراق الفاتورة الثانية!
ولحرص الإسلام على مبدأ أن الحياة الكريمة مصونة: فقد حرّم الإرهاب والتخويف والإهانة والازدراء، والتطاول والطعن في العرض، لأن الحياة الانسانية المادية والمعنوية موضع الرعاية في هذه الشريعة، كما حرم تعريض أي مسلم لأي فزع واعتبر ذلك جريمة، لأن حق الحياة الآمنة من المخاف حق ثابت للجماعة لا يقبل النقض، فقد قال صلى اللّه عليه وسلم: ''لا يحل لمسلم أن يروع مسلما'' رواه الطبراني، وفي رواية: ''لا تروعوا المسلم فإن روعة المسلم ظلم عظيم''. وإذا حصل التخويف بالسلاح فإن الإثم يزداد: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ''لا يشر أحدكم إلى أخيه بالسلاح، فإنه لا يدري لعل الشيطان ينزع في يده فيقع في حفرة من النار''. ومن المبادئ التي قررها الإسلام أيضا: تحريم التمثيل بجسد الإنسان حفظا لآدميته لا يجوز التمثيل في القتل إلا على وجه القصاص، فقد قال عمران بن الحصين (رضي الله عنه): ''ما خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبة إلا أمرنا بالصدقة ونهانا عن المثلة حتى الكفار إذا قاتلناهم فإنا لا نمثل بهم بعد القتل، ولا نجدع آذانهم وأنوفهم، ولا نبقر بطونهم، إلا أن يكونوا فعلوا ذلك بنا فنفعل بهم مثل ما فعلوا، والترك أفضل'' ذلك استنادا إلى قوله تعالى: ''وإن عاقبتهم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين، واصبر وما صبرك إلا باللّه..'' سورة النحل الآيات 126/.127
ورغم منطقية وجواز معاملة العدو بالمثل إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم ترفّع عن معاملة أهل مكة بالمثل عندما دخل مكة فاتحا، فلم يفعل في أهلها ما فعله داود في أهل أريحا حسب رواية التوراة، بل إنه وقف خاشعا متواضعا للّه، قائلا للذين التفوا حوله وهم يرتجفون من الخوف: ''ما تظنون أني فاعل بكم؟''
ـ قالوا: خيرا، أخ كريم وابن أخ كريم.
ـ فقال: ''اذهبوا فأنتم الطّلقاء لوجه الله تعالى''.
ولو كان صلاح الدين الأيوبي قد استحضر في ذهنه ما ارتكبه الصليبيون خلال قرنين من الزمان، لحوّلت شوارع بيت المقدس والرها وإنطاكية وطرابلس إلى أنهار من الدماء.. لو استحضر هذا الماضي البغيض، وهو يضع يده على مئات الآلاف من الأسرى بعد انتصاره الكبير في حطين ـ لكان قد منع عن أوروبا رافدا بشريا لا يقل عن عشرات الملايين الآن..
لكن صلاح الدين الأيوبي استحضر قيمة غرس المبادئ، وقيمة الإستعلاء إلى مستوى المثل، ورفض أن يقوم بما نسبته التوراة إلى داود ـ عليه السلام ـ وحاشاه وهو يدخل مدن الشام. إن حق الحياة حق إنساني عام مصون بشروطه القانونية ولا يسلب عشوائيا ولا ارتجاليا.